القــدس 2022.. مخططات متسارعة لتهويد المدينة واقتحامات هي الأكبر منذ سنوات
في آخر أيام العام 2022 استفاقت مدينة القدس على حلقة جديدة من مسلسل استيلاء المستوطنين على أراضيهم في المدينة المقدسة لتكون الأرض “الحمراء” العنوان القادم أهم وأخصب أراضي بلدة سلوان، الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك.
هذا الاستيلاء الذي بدأ بقيام أكثر من 200 مستوطن بعمليات تشييك للأرض في 27 ديسمبر الفائت، عمره أكثر من ذلك بحسب أحد أفراد عائلة سمرين، المستأجرة للأرض وتقوم على رعايتها منذ أكثر من 80 عاما، فقد كُشف عنه قبل سنوات ضمن ما عرف بصفقة تسريب عقارات باب الخليل التي وقعت عام 2004 بين بطريركية الروم الأرثوذكس وجمعية “عطيرت كوهنيم” الاستيطانية.
وكما المناطق الأخرى التي تضمنتها الصفقة، تعتبر هذه الأرض من أهم وأكثر المناطق استراتيجيةً في بلدة سلوان، حيث تلاصق مسجد وعين البلدة التي تغمر الأرض بالماء طوال العام مما جعلها أخصب أراضي مدينة القدس المحتلة.
تسريب “أرض الحمراء” في سلوان للجماعات الاستيطانية، وما يترتب على ذلك من مشاريع استيطانية جديدة بدأ بتنفيذها فور الاستيلاء عليها، لم يكن المشروع الاستيطاني الوحيد في المدينة في العام 2022 ولن يكون الأخير في العام 2023 في ظل حكومة يهودية متطرفة تسعى لحسم واقع القدس لصالحها.
الاستيطان… مستويات غير مسبوقة
فقد شهد العام 2022 تكثيفا ملحوظا في الاستيطان، سواء بتنفيذ مخططات قديمة تعود إلى مخططات “القدس 2030” أو غيرها من المخططات الاستيطانية التي تسعى لتهويد القدس وتوحيدها عاصمة لدولة الاحتلال.
وتتوزع المشاريع الاستيطانية ما بين الخطط الحكومية ونشاطات الجماعات الاستيطانية التي تتلقى كل الدعم المادي واللوجستي من الحكومة أيضا.
وتسعى بلدية الاحتلال خلال العام 2023 إلى إضافة 89 ألف وحدة استيطانية جديدة في الأحياء الاستيطانية، في حين تهدد أكثر من 22389 منزلًا في القدس، يسكنه حوالي 124 ألف مقدسي بالهدم.
وخلال العام 2022 هدمت بلدية الاحتلال 211 منزلا ومنشأة لمقدسيين وسلمت إخطارات بالهدم أضعاف هذا العدد حيث وصل العدد إلى قرابة 980 أمر هدم.
وخلال 2022 أيضا، استولت سلطات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية على 15200 دونم من أراضي القدس لإقامة مشاريع استيطانية تهويدية، وشق طرق وجسور وأنفاق.
وصادقت حكومة الاحتلال على إقامة 17918 وحدة استيطانية في المدينة، منها ما تم البدء بتنفيذه، ومشاريع أخرى يتوقع الانتهاء منها خلال الأعوام المقبلة.
اقتحامات غير منتهية
ليس فقط على صعيد البناء الاستيطاني، فقد عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2022 على تكريس واقع استيطاني من نوع آخر في المسجد الأقصى، من خلال تكثيف عمليات الاقتحام للمسجد وأداء طقوس تلمودية لأول مرة في تاريخه مثل تقديم القرابين النباتية، والسجود الملحمي، ومحاولة تقديم القرابين من الحيوانات.
وفي إحصائية دائرة الأوقاف الإسلامية وصلت الأعداد إلى 48 ألف مقتحم للمسجد الأقصى لهذا العام مقارنة ب 23 ألف مقتحم في العام الماضي، في زيادة غير مسبوقة.
وقال مفتي القدس والديار المقدسة “محمد حسين” إن هذه الأعداد يمكن أن تكون أكثر، فكثير من المستوطنين يقتحمون الأقصى بصفة “السياح الأجانب”.
وأشار المفتي إلى أن معظم هذه الاقتحامات كانت في الفترات الصباحية حيث يتم الاقتحامات بمجموعات كبيرة في محاولات واضحة ومكشوفة لكل المتابعين لتحقيق ما يصبوا إليه هؤلاء المتطرفون بفرض واقع جديد وتغير هو القائم في المسجد المبارك.
وأضاف:” منذ العام 1967 نلاحظ الارتفاع السنوي لأعداد المقتحمين للمسجد الأقصى، ولكن يمكن القول بكل وضوح أن هذا العام كانت الاقتحامات غير مسبوقة”.
وليس فقط على المستوى الأعداد، فقد كان عاما غير مسبوق بنوعية المقتحمين والانتهاكات التي قاموا بها في المسجد الأقصى على مستوى أدائهم للصلوات والطقوس الدينية التلمودية، والاعتداءات على المصلين وموظفي الأوقاف وحراس الأقصى.
وكما في السنوات السابقة استخدم الاحتلال “تفريغ الأقصى “من المصلين والمرابطين فيه لتنفيذ مخططاته بالسماح للمستوطنين والجماعات الدينية المتطرفة اقتحام الأقصى، وذلك من خلال عمليات الاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك. هذا العام، وتحديدا في الجمعة الأولى من شهر رمضان، أكبر عملية اعتقال جماعي حيث اعتقل 700 مصل من داخل المصلى القبلي مرة واحدة.
3000 حالة اعتقال
نفذت سلطات الاحتلال وقواتها في المدينة المقدسة أكثر من 3000 حالة اعتقال خلال العام 2022، كما يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب.
وشملت هذه الاعتقالات، كما يوضح أبو عصب، كل مناطق وأحياء القدس المحتلة، وكانت طبيعة الاعتقالات جدا قاسية وصاخبة مقارنة بالاعتقالات التي كانت تتم في الأعوام السابقة.
وتركزت في محيط المسجد الأقصى في سلوان في الطور العيساوية، ونسبة كبيرة منها استهدفت الأطفال حيث بلغ عددهم 700 طفل، 30 منهم دون سن 12 عاما.
وتابع أبو عصب: “هذه الاعتقالات ترافقت مع اقتحام واسع لمنازل المعتقلين وترهيب أهاليهم وتعرضهم خلال الاختلال اعتداءات وضرب وتنكيل في تعارض واضح للقانون الدولي”.
وبالعادة، يتبع هذه الاعتقالات إفراجاً مشروطاً بالإبعاد عن المسجد الأقصى أو عن محيط البلدة القديمة أو الحي الذي يسكنه المقدسي، وهو ما حصل مع 1000 حالة بنسبة 33% من حالات الإجمالية للمعتقلين.
هذا بالإضافة إلى حالة الأسير المقدسي صلاح الحموري الذي تم تجريده من هويته المقدسية خلال الاعتقال وترحيله إلى خارج فلسطين.
ومن اللافت في عمليات الاعتقال هذا العام هو الاعتقال الإداري لأكثر من 40 مقدسي، بعضهم تم تمديد اعتقاله الإداري لأكثر من مرة.
وقال أبو عصب:” نحن نرى أن سلطات الاحتلال تقود اليوم ملف القدس من خلال أعلى الهرم السياسي في هذه الحكومة اليمينية المتطرفة وتستهدف القدس بشكل كبير بهدف تفريغ مدينة القدس والمسجد الأقصى من أجل فرض واقع له في القدس.”.
2023… عام الحسم الديمغرافي
ورغم قتامة المشهد المقدسي خلال العام 2022 إلا أن المراقبين يرون أن القادم في العام المقبل لن يكون أفضل، على العكس. وخاصة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأعضائها من اليمين المتطرف صاحب المخططات المعروفة مسبقا تجاه القدس ومن فيها من مقدسيين ومقدسات إسلامية.
ويرى رئيس مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تزيد كل عام من وتيرة التهويد في المدينة المقدسة وصولا إلى الوضع الحالي من استيطان مكثف واستيلاء على مناطق واسعة من المدينة ومحيط المسجد الأقصى والتغيرات التي تمت في المدينة وأبواب المسجد الأقصى وتهويده والشوارع الداخلية والرئيسية
ولكن مع الحكومة الجديد التوقع أن هذه الانتهاكات ستتضاعف، في محاولة الاحتلال لفرض الطابع اليهودي على المدينة من خلال إنهاء مشاريع استيطانية بدأ العمل الفعلي عليها.
وتوقع الحموري التركيز الحالي على حسم قضية الديموغرافية، من خلال زيارة القوانين المتعلقة بالتطهير العرقي وطرد المقدسيين تحت بنود مختلفة مثل عدم التقييد بالقدس كمركز الحياة وعدم الولاء لإسرائيل.
وأشار الحموري إلى أن المصادر الإسرائيلية تشير إلى أن أكثر من 15 ألف مقدسي تم إلغاء إقاماتهم منذ العام 1967 وحتى الآن، والتوقعات أن 120 ألف مقدسي خارج مدينة القدس ومركز حياتهم خارج القدس يمكن أن يتعرضوا لسحب إقامتهم، بما يحسم القضية الديمغرافية لصالح المستوطنين داخل المدينة.
كما وأشار الحموري إلى عامل آخر وهو زيادة عمليات هدم المنازل، إذ هُدم ما يزيد على 150 منزلاً بدعوى البناء غير المرخص، مع وجود أكثر من 20 ألف منزل تحت خطر الهدم.
المصدر:ى فلسطين اليوم